اتحادكم وسيلة لخلع الضرس

اوراق الخريف
“اتحادكم وسيلة لخلع الضرس”:
لا يمكننا ان نختلف بأن القمم العربية ، جل اهتمامها هو اللقاء والتجمع العربي السنوي تحت مظلة واحدة ، وهذا في حد ذاته جيد ، وصدور بيان يحمل مضامين ورسائل وقرارات تغطي الشأن العربي والدولي.
ولكننا ايضا نتطلع إلى أن يكون ما تم الاتفاق عليه في القمة ، يتم تنفيذه بروح من المسؤولية ، والشعور بأن المنطقة أمام خطر داهم لا محاله لن تنجو منه اي دولة في السنوات القادمة ، بمعنى ظهور شرق أوسط جديد، نعرف أن الدول العربية جميعها لا تدخر جهدا في دعم العمل العربي المشترك.
فالقضايا المطروحة في القمة العربية بالبحرين كانت كثيرة ومتعددة ، بدءا من قضيتنا الأولى والهامة “فلسطين” مرورا بالسودان واليمن والصومال وسوريا ولبنان والعراق وليبيا والأوضاع في جزر القمر، أزمات تحل هنا ، وأخرى تندلع هناك ، وهذه تتراكم خطورتها وتتصاعد بسبب تدخلات خارجية ونوايا غربية معروفة المصدر والأسباب ، لمصالح سياسية وأمنية واقتصادية ، فقد آن الأوان لوقفها قبل نفاد خزائننا، وتدمير ما بنيناه في سنوات وسنوات من تنمية وازدهار في دولنا العربية.!
وما يميز قمة البحرين هذه المرة ليس ما جاء في كلمات القادة العرب ، او بيانها بخصوص القضية الفلسطينية والأوضاع في غزة وغيرها، بل كلمة الأمين العام للأمم المتحدة “انطونيو جوتيريش”.
قمة تبنت لغة المنطق ، لأنها تدرك جيدا أن الحلول تكمن في تطبيق قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة والمحكمة الدولية وليس الحل العسكري ، مع أن هذه اللغة أصبحت ليس لها وجود في القاموس العالمي بعد تمزيق الوزير الاسرائيلي قانون الأمم المتحدة وأخواتها ، وبعد أن سقطت كل القوانين وفشل العالم في وقف الإبادة والقتل والتدمير والتهجير في غزة وضواحيها.
ولكن “جوتيريش” وجه صاروخا عبر القارات من هذه المنامة ، ودعا القادة العرب للاتحاد والتضامن والوحدة لمواجهة ماهو قادم ، مع أننا كنا ننتظر من قادتنا أن يتحدوا ويتفقوا على موقف تاريخي ضد هذا العدوان والتدخلات الغربية ، بقرارات صارمة وصادمة للشارع العربي والغربي خاصة وأن الشارع العالمي أظهر تعاطفا جليا مع القضية الفلسطينية.
فوصف جوتيريش في كلمته في القمة العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة بـ”الجرح المفتوح” الذي من شأنه أن يتسبب بعدوى في جسد المنطقة برمتها ويتوسعه لأماكن اخرى.
فتحذير الرجل الكاثوليكي الديانة والانساني بمواقفه المشرفة وتصريحاته لكل القادة من العدوان الصهيوني الذي قال عنه “هو الأكثر فتكا من بين كل ما شهده من نزاعات وحروب” مع الحفاظ على الطابع الديمغرافي والتاريخي للقدس والوضع الراهن في الأماكن المقدسة ، نضعه في الاعتبار.
كما جاء تاكيده:”أننا بحاجة إلى إصلاحات عميقة للنظام العالمي متعدد الأطراف من مجلس الأمن إلى الهيكل المالي الدولي لكي يصبح عالمي الطابع بحق ويكون ممثلا للواقع المعاش في هذا العصر”. ليضع جوتيريش النقاط على الحروف في هذه القمة ، وعلى كل العرب تبني كلمته كأساس وخارطة طريق لما هو قادم.
فما بالنا بدعوته الصريحة عندما أكد أن “الاتحاد” هو الشرط الأساسي الوحيد للنجاح في عالم اليوم وأن الانقسامات تفسح المجال لتدخل أطراف خارجية، مما يغذي الصراعات ويؤجج التوترات الطائفية ، رسالة عميقة من رجل أراد رد الجميل للعرب الذين ساندوه للفوز بهذا المقعد الاممي.
فالرجل لمح لنا ، اننا نملك إمكانيات هائلة وبشرا وثقافة، لكن ينقصنا الاتحاد ، فالانقسامات هي سبب ضعفنا وتقسيمنا وهي التي تسمح لتدخل الآخرين فينا كما ذكر مما يغذي الصراعات ويؤجج التوترات ، لتأتي رؤية مملكة البحرين مع هذا الطرح البناء من خلال المبادرات التي اعلنت في القمة.
فالاتحاد من شانه إسماع صوت المنطقة ذات الأهمية الحيوية، بمزيد من القوة وتعزيز التأثير على الساحة العالمية. فهل من مستمع لهذا النداء الواقعي والمنطقي في عالم يعمل من أجل تفتيت دول المنطقة والسيطرة على ثرواتها وتغيير ديانتها ونشر العلمانية والحريات الكاذبة في بلداننا الاسلامية.
لذا فان قمة البحرين نستطيع أن نطلق عليها قمة “المصارحة والتحديات”، فالتحديات كبيرة ، والمصارحة جاءت على لسان جوتيريش وهذه جميعها تتطلب توحيد الجهود لمواجهتها، فقد حان الوقت للاتفاق على عدد من القرارات لتنفيذها سياسيا واقتصاديا بما يكفل للامة العربية العيش بسلام وامان دائم ومستدام، ونوقف اسرائيل وداعميها عند حدهم، بالاتفاق والشراكة مع اصدقاء السلام ، وهذه المعادلة يكون تنفيذها بوحدة الصف العربي واندماج الرؤى؛ كما قال الكاثوليكي الطيب الانسان
أعلنها الأمين العام في قمة البحرين ، وترك لنا القرار لخوض المعركة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والامنية من أجل وحدتنا اولا ، لنكون او لا نكون وايضا السعي للاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد الرفض الغربي والفيتو الامريكي. و”حل الدولتين” يتم عبر دعوة جماعية لمؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية كما جاء في البيان الختامي ، وكما يقال في الامثال “الضرس ليمن رقل من شلعته لا بد” لا بد من شلعه والتخلص منه ، لأنه لا أمل في علاجه، فيصبح من الخطر بقاؤه ، والتدخل في شلعه هو الحل السريع ، فالجرح المفتوح في غزة من شأنه أن يتسبب بعدوى في جسد المنطقة برمتها.. والله من وراء القصد.
د. احمد بن سالم باتميرا
كاتب ومحلل سياسي عماني
batamira@hotmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *