قراءة وتحليلات شخصية لموضوع استقالة وزير الخارجية السفير شريف محمد زين

قراءة وتحليلات شخصية لموضوع استقالة وزير الخارجية السفير شريف محمد زين
بقلم: د. حسب الله مهدي فضله التشادي

يبدو لي من خلال المعطيات العامة
أن هناك اختلافات عميقة بين وزير الخارجية السفير شريف محمد زين والمجلس العسكري الانتقالي، ربما كانت بوادرها منذ لحظة التوقيع على اتفاقية السلام في الدوحة التي مثل الوزير فيها الحكومة التشادية، وكان من المتوقع أن ترتفع أسهمه بعدها إلى أعلى مستوياتها،
لكن لعلة خفية غائبة عنا حتى الآن، فقد بدأ نجم الرجل يأفل منذ تلك اللحظة التي يفترض أن تكون لحظة سطوعه!!
وقد بدت بوادر هذا الأفول منذ حفل الافتتاح حيث لم يكن له أي دور يذكر منذ تلك اللحظة، في مقابل السطوع المفاجئ لنجم وزير الإعلام غلام الله الذي أصبح الأكثر بروزا منذ انطلاق جلسات الحوار، بإشارة منه تتوقف الجلسات الرسمية ليعلن الأخبار على الهواء مباشرة لتبث عبر مختلف وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية.
ويتوالى مسلسل الغياب أو التغييب للوزير في وفاة الملكة البريطانية إليزابيث الثانية، حيث قام رئيس المجلس العسكري الانتقالي بنفسه بزيارة السفارة البريطانية وتسجيل العزاء للشعب البريطاني في وفاة ملكتهم، رغم أن السفارة لم يكن بها سفير آنذاك بل نائب قائم بالأعمال، فكان يكفي أن يتولى وزير الخارجية أو أمينة الدولة في الخارجية هذه المهمة، وأن يبعث رئيس الجمهورية برقية تعزيته إلى الملك تشارلز مباشرة، لكن فخامة الرئيس فضل الذهاب بنفسه دون أن يصطحب وزير خارجيته أو أمينة الدولة في هذه الزيارة.
ثم جاءت مناسبة تمثيل الرئيس في تشييع جنازة الملك التي أسندت إلى وزير البترول والطاقة بدلا من وزير الخارجية، وأعتقد أنها القشة التي قصمت ظهر البعير، لأن الوزير السفير كدبلوماسي متمرس يعي تماما أهمية المشاركة في هذا الحدث العالمي الاستثنائي الذي يعتبر بمثابة مؤتمر غير عادي لجميع زعماء العالم، إلى درجة أن روسيا بعظمتها احتجت على قرار استبعادها من حضور هذه المناسبة التاريخية ووصفت القرار بأنه (غير أخلاقي).
إذن، احتجاج الوزير في نظري نابع من هذه الاعتبارات ، وما لقاء وزير الإعلام مع الدبلوماسيين صباح اليوم، أثناء سفر وزير الخارجية إلا بمثابة الخطوة التي تسبق إقصاء وزير الخارجية من الحكومة، وفق هذه المعطيات.
ويبدو أن مبادرة وزير الخارجية لتقديم الاستقالة ثم مبادرته بنشرها مباشرة على صفحته في نفس اليوم الذي قدمها فيه إلى رئيس الحكومة كان خطوة استباقية عجل بها تفاديا لوقوع حالات مماثلة استقال فيها بعض الوزراء ولكن صدر القرار بتغييرهم على أساس أنهم أقيلوا ولم يستقيلوا، فكانت مبادرة الوزير بالنشر في نظري تفاديا لذلك، وتأكيدا على أنه مصر على هذه الاستقالة لأن نشرها يجعل قبولها هو الخيار الوحيد المتاح أمام الرئاسة.
وهذا يقودنا إلى الحديث عن التوقيت الذي اختاره الوزير لتقديم هذه الاستقالة، فهو يعتبر توقيتا حساسا يوحي بأن للرجل حسابات دقيقة قد ترتبط بالضغوط الدولية الممارسة حاليا على قادة المجلس العسكري الانتقالي، والتي بلغت ذروتها بالقرار الذي اعتمدته لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بالأغلبية المطلقة، الداعي إلى انتخابات حرة وعدم أهلية أعضاء المجلس العسكري الانتقالي للترشح فيها.

إذن، كانت فرصة تاريخية مواتية للوزير لأن يقفز من مركب الحكومة، تفاديا لاحتمال صدور مواجهة بين المجلس العسكري الانتقالي وبعض الدول الغربية في المستقبل، مما يجر إلى إمكانية صدور قرارات أو قوانين مشابهة لقوانين العزل السياسي التي حدثت في بعض الدول المجاورة، والتي ربما تشمل في حال صدورها، كل المشاركين في قيادة المؤسسات الانتقالية ، ولا شك أن وزارة الخارجية ستكون رأس الحربة في حال حدوث مواجهة كهذه، لا سمح الله، ففضل الوزير النأي بنفسه عن الوقوع في كل هذه السيناريوهات المحتملة، محتفظا لنفسه بصلاحية العمل والمشاركة في رسم خريطة البلاد مستقبلا، في حال حدوث أي انعكاسات سلبية على الساحة السياسية الوطنية، جراء مثل هذه المواقف والضغوطات الغربية.

هذه مجرد تحليلات شخصية قد تصيب وقد تخطئ حول هذه الاستقالة المفاجئة التي شغلت الرأي العام الوطني وأصبحت حديث الساعة، ما بين متشائم ومتفائل يرى فيها تأسيسا وإرساء لمبدأ استقالة المسؤولين من وظائفهم في حال شعورهم بالإخفاق في أداء مهامهم، سواء بعجز منهم، أو بعوائق خارجية وضعت في طريقهم،
لكن المؤكد الذي لا شك فيه أن مستقبل بلادنا الغالية يمر بمرحلة حرجة تتطلب من جميع أبناء الوطن المخلصين تجاوز كل الخلافات وتحكيم العقل وتغليب مصلحة الوطن، بعيدا عن تصفية الحسابات الشخصية والفئوية الضيقة، وبعيدا عن استخدام مبدأ (عليَّ وعلى أعدائي).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *