العدالة الاجتماعية غائبة في الدولة:الروائي/ محمد عبدالله عبدالله أبكر

العدالة الاجتماعية غائبة في الدولة:
الروائي/ محمد عبدالله عبدالله أبكر

في ظل الحياة المعاصرة، ما عادت الأشياء هي الأشياء كما في العصور الوسطى، فالدولة بإمكانها أن تغني شعوباً، وتفقر آخرين، وتعز قوم، وتذل مهمشين، بالطبع بأمر الله وشرور أجهزتها وخلل معاييرها، فالعدالة الاجتماعية هي منظومة إقتصادية وإجتماعية تهدف إلى إزالة التباينات الطبقية الكبيرة بين مكونات المجتمع، بصورة عامة، تفهم العدالة الاجتماعية على أنها توفير معاملة عادلة وحصة تشاركية في خيرات الدولة بمفهومها الشامل..
وفي غيات العدالة الاجتماعية الجادة والفعالة، من البديهي أن يتناسل الفقر، ويتضامن معه الجهل كذلك، ومن ركائز مقومات العدالة الاجتماعية في الدولة المعاصرة، توزيع فرص الاستثمار، وسبل تقاسم عائدات الموارد الطبيعية القومية، وعدالة توظيف الموارد البشرية..
ولتحقيق التوازن التنموي، يجب أن تكون أولوية الإنفاق الحكومي للارتقاء بالبنية التحتية، للمناطق المهمشة على أطراف الدولة التي ظلت تعاني من الإهمال الحكومي طيلة فترات طويلة، وذلك في طرح المشروعات الاستثمارية، وتوجيه الهبات الخيرية، التي ترد عبر البوابات الرسمية للمناطق الأقل حظاً..
لذلك يجب تجريم عقودات الأعمال التجارية، من إنشاءات وإستيراد وتصدير، وتعاقدات خدمية، خارج مواعين المناقصات النزيهة والشفافة، كما يجب إعطاء الأولوية في مجال للشركات، ورجال الأعمال المحلية والولائية، شرط توفر القدرة المالية، والتأهيل والفني، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية الحكومية، والتي تحرص على الالتزام بمعايير الجودة العالمية، وسد الثغرات للإعفاءات الجمركية في أضيق حيز..
وينبغي ألا تغفل السلطات، عن إلزام الشركات التي تنفذ مشروعات طويلة المدى، بمسئولياتها الاجتماعية تجاه المجتمعات المحلية، سيما شركات التنقيب عن البترول والمعادن، وألا تتساهل في الإجراءات الاحترازية لحماية البيئة، وعلى منظمات المجتمع المدني على أن تطلع بدورها في هذا المجال..
يجب على السلطات تجريم التوظيف لشغل المناصب غير الدستورية، خارج أسوار لجنة الاختبار للخدمة العامة، وتسهيل فتح بلاغات فردية ضد الجهات التي تمارس مثل هذه الممارسات الفاسدة..
يجب الالتزام الصارم بنسب الإناث في الوظائف العامة، تماشياً مع التغيير الديمغرافي، بحيث تطرح الوظائف حصرياً للإناث، إن ثبت هيمنة ذكورية في دوائر بعينها، ولتحجيم فرص المحسوبيات..
كما هو معمول به في معظم الدول المحترمة، يجب أن يوضح المتقدم، أو المتقدمة للوظيفة العامة، عما إذا كان لديه صلة قرابة على أي مستوى في الدائرة التي يتقدم بها للالتحاق الوظيفي بها..
ولتحقيق العدالة الاجتماعية، في ظل البطالة المنتشرة وسط الشباب الخريجين العاطلين عن العمل، يجب عدم تمديد سن المعاش الإجباري في القطاع العام، تحت أي مصوغ، ومهما كانت ندرة التخصصات، وعظمة الخبرة التراكمية، وعلى المعاشيين إستمرار تقديم خدماتهم عبر الشركات الخاصة، التي لا غني للنهوض الاقتصادي بدونها..
ويمنع منعاً باتاً أن يتقلد أي موظف دولة أكثر من منصب ولو شرفياً بحوافز، أو أن يمارس أعمال حرة، طيلة فترة توظيفه، هذه الجزئية بشكل أو بآخر مرتبطة بالضمان الاجتماعي، وواجب الدولة في كفالة توفير الرعاية الاجتماعية، من صحة وتعليم وتمكين المواطن من الاستفادة من الخدمات العدلية والقانونية، بغض النظر عن مقدرته المادية..
أما عن آلية التوزيع العادل لعائدات الثروات الطبيعية، من بترول ومعادن، والعائدات القومية من جمارك ورسوم عبور وغير ذلك، فليس هناك ما هي أفضل وأنصف من نسب التعداد السكاني للأقاليم..
أما الإنتاج الزراعي، بشقيه المحصولات الزراعية والصادر الحيواني، يجب إبتكار آلية تضمن إستفادة المنتج من عائدات التصدير في المقام الأول وليست الدولة، ويمكن تحقيق ذلك عبر تأسيس جمعيات تعاونية للمنتجين الحقيقين، تحتكر التصدير عوضاً عن شعب المصدريين الجشعين، الذين يستغلون المنتج ساعة العسر شر إستغلال، وهذه الجمعيات الإنتاجية، بإمكانية توفير التمويل المسير للمزارعين والرعاة عوضاً عن البنوك الانتهازية..
تتجلى العدالة الاجتماعية وتتجسد في عدة صور منها الاستبداد، والاستعباد، والقهر الاجتماعي، وهي ككرة مفاهيمية يتجاذبها الطرحين الاشتراكي والرأسمالي، فالأخيرة ظاهره الإنعاش الاقتصادي، وباطنه العذاب والقهر الاجتماعي، فهو أي الرأسمالية يدعو لحياد الدولة في المشهد التنموي، لذا أفضل الوصفات، الهجين بين النهجين، والسياسية فن الممكن..
العدالة الاجتماعية محال تحقيقها في مجتمع يسوده الفوضى، ويعشعش فيه الفساد، لذا فهي ترتكز على فكرتي الجدارة، والاستحقاق، ولا شك أن فضيلة العدالة الاجتماعية الغائبة عن الدول الحديثة منذ تأسيسها، لهي الباعث لكافة النزاعات المسلحة والفكرية في الدولة، يستحيل إخمادها والوصول إلى إستقرار سياسي إجتماعي دون تحقيقها..

أرائكم عبر البريد الالكتروني: moh66m10@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *