في منتصف أغسطس الماضي تقريبا، تناولت وسائل الإعلام المحلية نبأ الموقف المشرف الذي وقفه الشاب التشادي القاسم محمد لمبو الذي وجد مبلغا كبيرا من المال قدره 15.000.000 خمسة عشر مليونا من الفرنكات الأفريقية، ما يزيد على 24.000 أربعة وعشرين ألف دولار، وبادر بإرجاع هذا المبلغ إلى صاحبه بعد أن سمع التبليغ عنه في إحدى الإذاعات المحلية.
ولم يدر السيد القاسم حينذاك أنه بموقفه المشرف هذا قد سن سنة حسنة أو أعاد إحياءها، بإرجاع الأموال المفقودة إلى أصحابها، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
فقد لاحظت خلال هذا الشهر أن هناك ثلاث أو أربع حالات ذكرت في وسائل الإعلام تتحدث عن إرجاع أموال مفقودة لأصحابها بعد أن عثر عليها بعض الأشخاص.
إلى أن وصل الأمر إلى دولة نيجيريا المجاورة، حيث تناقلت المواقع هذا الأسبوع نبأ ذلك الشاب أوولو ثاليثو (22 عاما) الذي جدد القصة نفسها في مدينة كانو النيجيرية، وأعاد لأحد التجار مبلغا مساويا تقريبا للمبلغ الذي أرجعه القاسم لصاحبه.
وهذا نتيجة الحديث عن الجوانب الإيجابية، أي إظهار النموذج الأفضل، فبدأ الناس يقتدون به.
على عكس المفهوم الذي كان سائدا في وسائل الإعلام التي كانت تتحدث دائما عن السرقات والاختلاسات والضربات الضخمة بالمليارات ومئات الملايين، فأصبح الناس في يأس من الإصلاح، أي أنك حتى لو أردت أن تكون نزيها ترد الحقوق والأمانات لأصحابها حين تشاهد هذا الطوفان المستشري من الفساد، يدخلك اليأس، وتقول : ماذا أؤثر أنا في هذا الوضع؟ وكيف ينظر الناس إلي إذا ظهرت بمظهر الصلاح في مجتمع فاسد، سيعتبرونني كالمجنون، فالأحسن أن أكون مجنونا مع المجانين بدلا من أن أكون العاقل الوحيد بينهم.
هكذا كان يفكر الناس بسبب انتشار. الحديث عن الفساد في كل قطاعات المجتمع.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهو أهْلَكُهُمْ). وفي رواية : (أهلَكَهم)،
أي هو أقربهم للهلاك، في رواية ضم الكاف، أو هو الذي جرهم إلى الهلاك، في رواية فتح الكاف. وهذا ينطبق تماما على موضوعنا الذي نتحدث عنه.
فأرجو من إخواني الناشرين، لا أقول الإعلاميين فقط، لأن الجميع الآن أصبحوا يتسابقون في نشر المعلومات، أرجو من الجميع العمل على إبراز النقاط الإيجابية المضيئة في حياة الأفراد والمجتمع، وعدم التسرع في نشر الأخبار السيئة المتعلقة بالفساد الأخلاقي والاجتماعي والإداري حتى لا يشيع ذلك ويصبح عادة مألوفة لدى المجتمع.
وهذا لا يعني التستر على الفاسدين كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان، وإنما المقصود أن يكون الحديث الأبرز عن جوانب القوة والقدوة الحسنة في المجتمع، مع السعي إلى إصلاح جوانب الفساد بأسلوب حكيم مناسب، فإذا وصل الأمر بالمجرم إلى ضرورة الإعلان والتشهير فإنه يجد نفسه معزولا في مجتمع صالح كالبعير الأجرب بين الأصحاء، بدلا من أن يكون هو الأكثر انسجاما مع المفهوم السائد.