حرية الصحافة والإعلام

حرية الصحافة والإعلام

بقلمالدكتورعلييحيىقجة

تحول مثلّث السلطات المتعارف عليه سابقا في العديد من بلدان العالم، السلطة “التنفيذية، القضائية، التشريعية” إلى مربع متساوي الأطراف والزوايا، وذلك بإضافة السلطة الإعلامية له، لما لهذه السلطة من دور فعال في توعية وتثقيف المجتمع، وتمليكه معلومات ضرورية وكمالية تعينه في حياته اليومية وتعاملاته مع كل مستجدات الحياة.
وبناء على هذا الدور البارز الذي تقوم به وسائل الإعلام بمختلف أنواعها وأشكالها، قد قررت الأمم المتحدة في أن الثالث من شهر مايو من كل عام، يكون يوما عالميا تحتفل به كل الدول المنضوية تحت مظلة الأمم المتحدة، للتفاكر والنقاش في حرية الصحافة والمعوقات التي تواجهها، وتذليل العقبات التي قد تكون حائلا بين الرسالة الإعلامية التي تبثّها والجمهور المستهدف.
إذ أنه لا يشكّ أحد في أن الإعلام أصبح ضروريا من أي وقت مضى، نظرا لما يقوم به من إذاعة وإيصال الخبر مكتوبا ومسموعا أو مرئيا في سرعة فائقة، وكثيرا ما يعوّل على وسائل الإعلام في إطار العملية السياسية “الحملات الانتخابية” والاجتماعية “جمعيات المجتمع المدني” والثقافية “الاتحادات والروابط” أنه مُوجّه، لا سيما إذا أراد المعنيون تنبني فكرة معينة ونشرها وترسيخها في أذهان المجتمع، حتى أصبحت في هذا الوقت الوسائل الإعلامية إحدى مقومات البناء المجتمعي للمجتمعات الحديثة التي تساهم ليس فقط في إعلام الأفراد، بل ما يدور في مجتمعهم المحلي من أحداث وأخبار، وإنما بات لها دور نقل مجريات أحداث العالم باسره حيثما كانوا وأينما حلوا.
إلا أن المجتمع التشادي حظه من وسائل الإعلام المحلية فضلا عن العالمية ليس كبيرا، إذ أن النسبة السكانية التي تتابع وسائل الاعلام المحلية مُخجلة جدا مقارنة بالنسبة الكلية للجتمع، وذلك لعدة أسباب منها: عدم الكفاية في توفير خدمات الكهرباء للغالبية العظمى للمواطنين، وغلاء الوسائط التي على أساسها تتم مشاهدة التلفاز، وقلة البرامج الهادفة التي تعالج مشكلات وقضايا الوطن، والتنوير العام لرأي المجتمع ولفت أنظاره تجاه حدث معين، إضافة إلى غياب الخطة الوطنية العامة لوسائل الإعلام.
لأن التلفزيون التشادي بذاته (الفضائية التشادية)، يعتبر من أحدث المحطات التي دخلت حديثا في القمر الصناعي، فالذي يتابع التلفزيون التشادي قلّة من فئة المثقفين وبعض التشاديين المقيمين بالخارج، نتيجة لتوفير التيار الكهربائي والدش.
أما عن الإذاعة الوطنية فالحالة تغني عن السؤال، قليل جدا من سكان العاصمة أنجمينا يتابعونها وغالبيتهم من عامة الناس، نظرا للبرامج الكلاسيكية الهابطة التي تبثّها، مثل: بلاغات الوفيات بلامة فلان وعلان وأخوته في قرية فلانة وفلانة، والحاج فلان وأخوته في فلانة، واللوان فلان وجماعته في فلانة، والبقرة المفقودة من القرية الفلانية “الرايحي” من يوم كذا وكذا، وكذا نشرات الأخبار الروتينية الذي يُهيمن عليها اتفاقيات القروض المالية ذات الفوائد الباهظة الذي تُبرمها تشاد مع الدول الأخرى أو المؤسسات المناحة الكبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وووو ، وقام السيد الوزير بزيارة تفقدية إلى كذا وكذا، وبالرغم من ذلك تنقطع آثار ذبذباتها على مسافة تقل عن الـ 100 كلم فقط في كل الجهات. بمعنى أن غالبية المجتمع ليس لهم حظا في متابعة إذاعتهم الوطنية، أما عن الإذاعات الأهلية والخاصة فهي أيضا تواجه مجموعة من التحديات والمعوقات اللوجستية المتمثلة في المعدات وتهيئة البيئة الداخلية للمؤسسة من أثاثات ووقود والدعم الحكومي.
أما عن الصحف والمجلات فهناك مسافة وبون شاسع فيما تتناوله والواقع المعايش، وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، استطرد رئيس اتحاد الصحفيين التشاديين السيد عباس محمود طاهر، بأنه فخور ومعتزّ بأن خلال عام كامل لا يوجد صحفي في السجون، وهذا لا يعني النزاهة والشفافية في أداء الواجب، والالتزام بأخلاقيات المهنة الصحفية، وإنما يعني بُعد وسائل الإعلام من تناول المواضيع الهادفة التي تتلمس واقع المجتمع وهمومه، مثل العدل والمساواة والنهضة والتقدم والتسامح والازدهار والبناء والتعمير والتعليم الموجه…. إلى خير ذلك.
لأن لسلطة الإعلام دور تلعبه في مواجهة الظواهر السلبية المنتشرة في المجتمع ومشكلاته بمختلف أنواعها، وهذا الدور يتأكد في مواجهة ظاهرة العنف الذي تنتشر بصورة جنونية هنا وهناك في كل الأراضي الوطنية، وبدأ العنف يأخذ أبعادا مختلفة بعيدا عن العنف القبلي والصراعات العبثية بين المزارعين والرعاة والنهب المسلح والجريمة المنظمة، وإنما ترويع الآمنين وأخذ ممتلكاتهم جهارا نهارا، هي السمة والنجمة اللامعة التي اشتعل ضوءها في أغلب المناطق التشادية، والعاصمة أنجمينا أخذت نصيب الأسد من ذلك العنف، سواء في المؤسسات التعليمية أو المنازل والأحياء السكنية.
فالإعلام يمكنه إلقاء الضوء على نشأة وأسباب العنف على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، كما يمكنه استنارة الراي العام وكسب عواطفه مع قضية معينة من القضايا التي يعاني منها المجتمع، وعلى هذا المضمار يمكن الاقتراح للوسائل الإعلامية العام منها والخاص، أن تركز في أداء رسالتها هذا العام على تعزيز السلام، وثقافته حتى تُزال الشوائب والخزعبلات والعنف المفرط الذي ذاع صيته في تاريخ تشاد الحديث منذ الفترة الانتقالية الأولى والثانية أيضا، والعام المقبل في موضوع آخر…. إلخ.
وحتى يكون للإعلام دور مؤثر في نشر السلام، يجب أن تهدف رسالته إلى نشر التسامح والعيش المشترك والمساواة بين جميع أفراد المجتمع ومكوناته، وإذا توفرت تلك الأشياء يكون الإعلام جسرا للتواصل وصناعة السلام، وفي المقابل قد يكون الإعلام عقبة كبيرة في طريق تحقيق السلام، حينما تكون رسالتها هابطة وليسن هادفة كما هو الواقع في بعض من وسائل الإلام المحلية.
والدعوة موجهة إلى مسؤولي الإعلام الوطنية، لابد من إعادة النظر في هيكلة البرامج التي تقدمها محطاتهم إلى الجمهور الأن؟ وما الذي تفيده للمجتمع؟ وما هي الظواهر التي تعالجها؟
فاليوم العالمي لحرية الصحافة بالنسبة للمجتمع التشادي أن يكون يوما للتفكير في إصلاح المؤسسات الإعلامية في البيئتين الداخلية والخارجية، وتنسيق البرامج الهادفة التي تخدم السلام والمحبة والوئام، فنعم للسلام يا صحيفة السلام، فتكون مع السلام وتسعى للسلام إلى أن تلقى السلام.
نواصل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *