أستاذ أحمد مدو كيوم، يكتب: إلى شاب مغترب

كان شابا أنيقا ذو مظهر الصالحين وعلامات الراشدين، يذكر والديه وأهله في كل جملة من حديثه، اتخذ ذلك مبررا كافيا للهجرة كي يتمكن من تحسين ظروفه المعيشة ولأسرته، رغم قلب الوالدين يتقطع ألما من فراقه وخوفا لمكروه قد يصيبه، ولكنه عاند وضرب موقفهما عرض الحائط، وخاطر بحياته مع رفاقه عبر الصحراء مرورا بمملكة الحيوانات البحرية والبيئة المحتملة للهلاك حتى دخل أروبا ومنه إلى أمريكا، بعد سبع سنوات من الاغتراب، استطاع أن ينال إقامة دائمة وفرصة عمل محترمة، المعارف والزملاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي يحسدون على حياته، يغير بين حين وآخر أحدث الهواتف الذكية، الملبس والمركب، ويصور غالبا في أفخم الفنادق، وأهم المحلات التجارية والماركات العالمية، من ضمن جموع الأصدقاء هناك قريب له في الصلة والعمر، يتابعه بصمت، ثم يقارن حياته ووالديه، الفرق بينهما لا يوصف، لقد نسي هذا المغترب شعاره الذي كان يردده قبيل السفر، وتغير أولوياته، وتخلى عن عاداته وتقاليده مقابل ثقافة دخلية، بعد تفكير عميق وصراع طويل مع النفس قرر الأخير بتقديم نصائح لله، وإن يرى ويظن ويفسر ذلك تدخلًا في شؤونه، بعد التحية، سأل عن حاله والأوضاع هناك؟ كان الرد باردا كما توقع، عندما أَحَسَّ بأن الرجل لا يتفاعل معه، سجل له صوتية عبر فيها عن غايته، أخي العزيز، أذكرك بالوالدين وأوصيك فيهما خيرا، هما الآن والأسرة في حالة يرثى لها، بعد الله لا يزالان يعتمدان على أخوك الأصغر، وقد ترك دراسته من أجلهم، أرسل لهم مبلغا ولو بسيطا نهاية كل شهر، قد تحرر بذلك أخوك ليكمل دراسته، مهما جمعت من المال فلن تكتمل السعادة إلا بإسعاد الآخر خاصة الوالدين، ال100 دولار قد لا يكفي لشراء أبسط احتياجاتك، في وضعك الذي أراه عبر وسائط التواصل، ولكنها تكفي لمصروف الأهل لمدة لا تقل عن أسبوعين، أعرف أنك لن تجيبني ولكن أتمنى أن تستمع إلى رسالتي بقلبك، وأسأل الله لك الهداية والتوفيق، أخوك فلان.

أعتقد هذه من آيات الشقاء المؤجل، إذا كان قليل من مغريات الدنيا وابتسامتها تلهيك عن الوالدين.

أيها المغترب نفسك وأهلك، وازن وقدر ثم أعطي لكل ذي حق حقه. تذكر أن إخوة لك ماتوا في الصحراء عطشى، وبعضهم غرقوا في البحار، بينما أنت نجاك الله من المصائب، وأوصلك إلى مبتغاك سالما معافى، لتعلم أنك بصدد امتحان، وشرط النجاح أن تجعل أبويك يضحكان من أعماق القلب، وليس مجاملة ولا بدافع الأبوة والأمومة، لا تنسى أنك الآن تعيش بدعوتهما لك، بادر قبل فوات الأوان وقبل أن تصبح الدعوات عليك.

لاشك بأن أمثال هؤلاء سيتكفلون تكاليف مراسيم الدفن وإقامة المآتم عند موتهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *