جدلية الابداع في التاريخ الفلسفي

د/ آمال بوحرب


‏ يقول “ديفيد هيوم “الجمال ليس خاصية في ذات الأشياء بل في العقل الذي يتأمّلها” وعليه إذا اعتبرنا انّ مواضع التفكير مختلفة بدرجات متفاوتة في العرض والتقديم على مدار تاريخ التفكر الفلسفي في سياق نظرية المعرفة لان القدرات تختلف في جوهرها فإنه من الحتمية أن نفكر في الإبداع وهو من أهم العناصر في عملية البحث ذاتها فيختلف فيها الفلاسفة بين من جعل العقل والمصدر الأول المعارف وبين من انتصر للتجربة على أساس أن الابداع هو ما يعبر عنه باحياء جديد في المعرفة وأن ما نبدعه هو النتاج المشترك بينهما

‏فإن كانت الحسية هي الأصل في تكوين المعارف الإنسانية وهي تضمن إشكاليتين هما الانتباه والأفكار سيتحدد إذا الفرق بينهما في قوة وحيوية الانتباه على الفكرة التي تعد صورة فنعطي للخيال أهمية تتمثل في كونه يشكل وسيطا بين الإدراك والشيء المدرك وهو الذي يستدعي المعرفة من خلال دفع النفس للخيال المعرفي انطباعا يستعين بذلك بمبدئ الذاتي وهنا يكون الإبداع.

أما في ما يخص كانط فقد تناول بدوره قضية أصل المعرفة والتي هي الإبداع من حيث التفكير وكان موقفه بالتالي بين وجهتين نظرة العقلانيين والحسيين حيث يقول ” أن كل معرفتنا تبدأ مع التجربة ” فهل يحتاج الابداع إلى تحقيق وتدقيق ونعني وهنا الإبداع الفكري والذي يجمع بين العلوم الرياضية وبين الميتافيزيقا وهذا هو الشرط لقيام الإبداع ومن هنا برز مشروع علم الإنسان أو علم الطبيعة البشرية كما أكد عليه فمن الواضح أن لكل العلوم والمعارف الأدبية علاقة تكبّر أو تصغّر الطبيعة البشرية مثل علم الرياضيات والفلسفة الطبيعية فلا يجوز أن نقيّم الإبداع في معرفة الناس فقط ولكن في هذه العلاقة الجدلية بين الموجود واللّا موجود يقول كانط “

كل غرض بعقلي يتوحد في الأسئلة التالية:

‏ماذا يمكن أن أعلم؟

‏ماذا يمكن لي أن أعمل؟

‏والمبدع هو الذي يتقن الإجابة على هذه الأسئلة الثلاثة التي تتلخص في البداية وفي النهاية في سؤال واحد ما هو الإنسان؟

‏والجدير بالملاحظة أن كل ما طرح حول العلاقة التأثيرية التي تجمع بين هيمنة الفكر على الخيال والطبيعة كانت بالتحديد موجبا لفضيلة حسن التلقي وحسن الإلقاء الأدبي والمعرفي مع الحفاظ على خصوصية الإتلاف والفراق التي تميز المبدع عن الآخر و في إبستمولوجيا “هيوم “مثلا الإبداع يستند إلى علم النفس وهو باب من أبواب التميز في الاستقراء وفي الخلق لأفكار جديدة أو البحث في أفكار سائدة ومعرفة العلاقة بينها بطريقة جديدة ومختلفة تعتمد على تفسير الأحداث بواقعية وبما وبأرجع المعارف إلى اصولها.

ولعل نظرية “هيوم”عن العقل تقودنا إلى منهجية وقورة جديدة في التفكير ثورة نحن نحتاجها جدا مع المتغيرات الفكرية في ما هو إبداعي وما هو سائد أو مكرر ففي مقولته هذه “ليس العقل يقود حياتنا بل العادة”تظهر الجوانب المخفيّة في النفس التي تريد التكرار لترى نفسها في الآخر ولا تفسح المجال للعقل

وكما قال جان جاك روسو “الطبيعة هي المعلم الرئيسي، اي أننا نتعلم عن طريق ثلاثة معلمين: الطبيعة و الإنسان والأشياء ” ولئن استأثر حقل التربية باهتمام فلاسفة عصر الأنوار في القرن الثامن عشر وأفردوا له حيزا مهما من تفكيرهم فالواقع أن هذا الاهتمام ينصب في اتجاه تحليل وتشخيص وضعية المجتمع الأوروبي في تلك الفترة وكمحاولة منهم لفلسفة اللحظة التاريخية وتفسيرها تفسيرا علميا، قصد فهم معيقات التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وذلك عبر تصويب سهام النقد إلى شرور الحياة العامة وفساد الأخلاق والمنظومة القيمية من جهة وإبراز مفهوم الإبداع وإن يرفض “روسو “الأسلوب الذي يعتمد على الحفظ والاستظهار لأفكار بالية فاسدة، تجعل من الطفل آلة طيعة في مجتمع منحل وتهبط بمستوى قدراته إلى الحضيض في مقابل ذلك يقترح أن يكون التعليم بمثابة تجربة سعيدة في حياة الطفل، تنمي قدراته وتعتني بصحته وخلقه وذكائه وقدرته على الخلق والإبداع والابتكار بمعنى ان الابداع هو تطوير واهتمام بقدرات معينة عند الأطفال كما أن العواطف الابتدائية والغرائز الطبيعية والانطباعات الأولى يمكن الوثوق بها كقاعدة للعمل أكثر من التأمل والتجربة التي تتكون عن طريق الاتصال بالآخرين: ” إن ما أسميه طبيعتنا هو استعداداتنا قبل أن يطرأ عليها تغيير، عن طريق عادات التفكير والمحاكمة التي نقتبسها من غيرنا .

ولكن إذا اعتبرنا الإبداع صفة أساسية لدى بعض الأشخاص يساعدهم على الوعي وإدراك ما يدور داخل المجتمع ويُمكن استخدام هذه الصفة في إنتاج كل ما هو جديد يلائم البيئة التي يعيشون فيها، فكيف تكون إذا هوية افكارنا بين الإبداع الذي يتعلق بالإنجازات الحقيقية والمستمدة من الواقع وبين الابداع المبني على تحقيق الذات؟.

الكاتبة التونسية آمال بوحرب المقيمة بالإمارات العربية المتحدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *