كلمة الدكتور حسب الله مهدي فضله.. في المؤتمر الصحفي والذي عقد بدار الاتحاد بعد وصوله

بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الأعزاء محبي اللغة العربية بجميع ألقابكم وصفاتكم السامية وكياناتكم المتعددة.
الإخوة ممثلو المؤسسات الإعلامية المختلفة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حقيقة تقف الكلمات عاجزة وحائرة وقاصرة عن التعبير عن مدى شكري وتقديري وامتناني لكم على هذا الموقف الرائع واللقاء الأخوي الحار الذي جعلني أشعر بمشاعر وأحاسيس تفوق بكثير ما شعرت به من سرور واعتزاز حينما دعيت للصعود إلى المنصة للتكريم من قبل صاحبة السمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، وتسلمي هذه الجائزة نيابة عن جماهير أعضاء الاتحاد العام لمؤسسات دعم اللغة العربية في تشاد، الذي توجت مبادرته المسماة الأسبوع الوطني للغة العربية في تشاد بالفوز بالجائزة فئة أفضل مبادرة في التخطيط والسياسة اللغوية.
إن هذا الاستقبال الحاشد الذي اجتمعتم له صباح هذا اليوم يعتبر خير دليل على أن اللغة العربية هي المكون الأساسي للهوية الوطنية ، وأنها رمز الوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية، والوعاء الجامع لأبناء الشعب التشادي بجميع انتماءاتهم الاثنية والدينية والإقليمية.
بل إن هذا الاستقبال ألغى الفوارق اللغوية بين فئتي العربفون والفرنكفون، وجعل الجميع يلتف حول مسمى واحد هو الشعب التشادي.
ولذلك أكرر القول بأن هذه الجائزة ما فاز بها حسب الله مهدي فضله، ولا فاز بها الاتحاد العام لمؤسسات دعم اللغة العربية في تشاد، وإنما فاز بها الشعب التشادي كله، وفازت بها تشاد، بل فازت بها أفريقيا لأن تشاد هي الدولة الأفريقية الوحيدة خارج الدول العربية التي تفوز بهذه الجائزة من بين ٥٥ دولة قدمت من المشاركات والترشيحات للجائزة في دورتها السادسة بلغت ١٣٨٠ مشاركة وفق الإحصائية المقدمة من المشرفين على الجائزة، ومن بين هذا العدد الكبير فازت عشر جهات من سبع دول، من بينها تشاد.
وحجبت الفئة الحادية عشرة لأن الأعمال المترشحة لم تتوفر فيها المعايير المحددة للفوز بالجائزة.
وهذا يدل على أن الفوز بالجائزة ليس عملية سهلة بل هناك معايير دقيقة تسير عليها لجنة التحكيم، وأن اللجنة تضرب عرض الحائط بمئات الأعمال المترشحة إذا لم تتوفر فيها هذه المعايير.
واسمحوا لي أيها السادة والسيدات أن أقدم نبذة موجزة عن جائزة الشيخ محمد بن راشد للغة العربية وكيفية الوصول إليها.
فهذه الجائزة تعتبر مبادرة من مبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة حاكم دبي الذي اشتهر بإطلاق المبادرات المتميزة في مختلف المجالات: اجتماعية ثقافية إدارية إنسانية وغيرها، ومن بينها مبادرته التي أسماها جائزة محمد بن راشد للغة العربية في العام ٢٠١٤ لتكون أعلى وسام تكريم يقدم لأصحاب المبادرات المتميزة الهادفة لخدمة اللغة العربية من جميع أرجاء العالم، وأطلق معها عبارته الشهيرة: (لغتنا تحتاج إلى مبادرات لا إلى محاضرات)، ولكي تكون شاملة تغطي أوسع نطاق في مجالات التميز والإبداع الرامية لخدمة اللغة العربية ، فقد جعلها تتكون من خمسة محاور ، كل محور يحتوي على فئتين، عدا محور التعليم فيحتوي على ثلاث فئات.
فأصبح المجموع إحدى عشرة فئة، جائزة كل فئة سبعون ألف دولار.
بالإضافة إلى درع التكريم والتميز الذي يحمل شعار الجائزة وهو الضاد.
وباب الترشيح لها مفتوح لكل من يريد أن يترشح لها أو يرشح غيره، سواء كان فردا أو مؤسسة أو فريق عمل.
ومنذ إطلاق هذه الجائزة تنافست لنيلها العديد من الجهات، أفرادا ومؤسسات، بلغ عددهم بالآلاف ولكن الفوز كان من نصيب جهات متميزة فعلا خلال هذه السنوات التي مضت من عمر الجائزة، ويكفي أن نعلم أن من الجهات الفائزة شركة غوغل التي فازت بالجائزة فئة أفضل مشروع إلكتروني محتوي رقمي باللغة العربية في الدورة الأولى للجائزة عام ٢٠١٤/٢٠١٥
وبالنظر الى قائمة الفائزين بفئة أفضل مبادرة في التخطيط والسياسة اللغوية التي فزنا بها يتضح حجم التحدي الذي يسر الله لنا اجتيازه بهذا الفوز.
وقد علمت انا شخصيا بهذه الجائزة من خلال حضوري ومشاركتي في المؤتمر الدولي للغة العربية الذي اقترن بهذه الجائزة، ومن خلال الاطلاع على محاور الجائزة وفئاتها والشروط المطلوبة لها، وجدت أن الفئة الأكثر تطابقا في مضمونها ومعاييرها مع جهودنا التي نقوم بها في خدمة اللغة العربية في تشاد هي فئة التخطيط والسياسة اللغوية لأن معظم جهودنا في الاتحاد تتركز في هذا المجال.
ولذلك قمت بترشيح الاتحاد لنيل الجائزة في هذه الفئة. في الدورة الرابعة ٢٠١٧ / ٢٠١٨
ولكن لم يكتب لنا الفوز في ذلك الوقت، لأن المعايير المحددة لم تتوفر لدينا بصورة كافية، وكانت الظروف التي نمر بها آنذاك صعبة للغاية كادت أن تؤدي إلى توقف مبادرة الأسبوع الوطني للغة العربية وربما تكاد تعصف بالاتحاد نفسه.
لكن بحمد الله وتوفيقه وبفضل العزيمة والإصرار والصبر والتضحية التي تحلى بها أعضاء الاتحاد استطعنا أن نحافظ على مبادرة الأسبوع الوطني للغة العربية والاستمرار فيها ولكن ذهبت الجائزة في تلك الدورة إلى جهة أخرى.
وفي العام ٢٠١٩ قمت بإعادة ترتيب الملف من جديد وتدعيمه بكل الوثائق والصور والفيديوهات المعززة، وقدمت ترشيح المبادرة نفسها للدورة السادسة، ولكن قدر الله أن يتعرض العالم كله لوباء كورونا وتتوقف كل المشاريع والمؤتمرات، ومن بينها المؤتمر الدولي للغة العربية وكذلك تجميد الجائزة.
لكننا في الاتحاد لم نتوقف، وظل الأسبوع مستمرا بصور مختلفة وبرامج متنوعة، وظللنا على تواصل مع مختلف الجهات والمؤسسات العاملة في خدمة اللغة العربية من شتى أرجاء المعمورة.
إلى أن انجلت الغمة وانتهت الإجراءات الاحترازية الناتجة عن كرونا وصدر الإعلان عن موعد انعقاد المؤتمر التاسع للغة العربية الذي جمد سابقا، وكذلك فتح باب الترشيح للجائزة في دورتها السابعة، فوصلتني رسالة في مايو الماضي من إدارة الجائزة تفيد بأن ترشيحنا السابق للدورة السادسة محفوظ وأن المبادرة المرشحة قد وصلت إلى المراحل المتقدمة من عملية التحكيم، وأن اللجنة تطلب أي بيانات إضافية ووثائق تؤكد أن المبادرة مستمرة وأن لها نتائج عملية لمتابعة باقي خطوات التحكيم.
وبفضل الله كانت مبادرة الأسبوع الوطني للغة العربية في هذه الفترة قد قفزت قفزات كبيرة إلى الأمام رغم ظروف كورونا والتحديات التي مرت بها بلادنا في هذه الأعوام.
ومن أبرزها تنظيم معرض انجمينا الدولي للكتاب، والمؤتمر الدولي عن اللغة العربية في أفريقيا جنوب الصحراء ، والأهم من ذلك تأسيس المجلس الأعلى للغة العربية في أفريقيا.
فكانت هذه المبادرات الكبيرة التي تولدت عن المبادرة الأولى أي الأسبوع الوطني للغة العربية، من العوامل الحاسمة التي رجحت كفتنا في المنافسة وأكدت أن هذه المبادرة قد جسدت فعلا مفهوم التخطيط والسياسة اللغوية لأنها في خلال عشر سنوات خرجت من إطارها الوطني الداخلي إلى أرجاء قارتنا الأفريقية، ومن ثم فتح آفاق التعاون والتواصل مع المؤسسات المهتمة باللغة العربية في العالم أجمع.
هذه هي قصة الفوز بالجائزة، أحببت أن أنقلها إليكم بهذا التفصيل، من أجل أن يستفيد جميع أبناء الوطن من هذه التجربة، ويطوروا مبادراتهم وينطلقوا بها نحو العالم، من أجل أن يكونوا سفراء لبلادنا الغالية في مختلف المحافل الدولية، بعيدا عن حالات الاحتقان والصراعات الداخلية والحسابات الضيقة التي تعطل جهود الكثيرين وتفضي بهم إلى الإحباط واليأس والتقوقع الداخلي.
واسمحوا لي أيها السادة والسيدات أن أحيي وأشيد بجهود إخواني وأخواتي أعضاء الاتحاد الذين صبروا وصابروا ورابطوا وتحملوا العديد من الصعوبات ومواجهة العقبات والتحديات، ومع ذلك استمروا في أداء رسالتهم، لم يلتفتوا إلى تخاذل المتخاذلين ولا تساقط المتساقطين ولا تثبيط المثبطين ولا تآمر المتآمرين، بل ظلوا على نهجهم سائرين حتى فوجئوا بهذه البشريات التي جاءت مصداقا لقول الله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، فأسأل الله تعالى أن يتولانا وإياهم برعايته ويوفقنا للمزيد من الجهود في خدمة لغتنا العربية وبلادنا وأمتنا، وأن يغفر للذين سبقونا الى دار البقاء ويوسع مدخلهم ويجعل ما قدموه في موازين حسناتهم.
كما أحيي وأشيد بكل المؤسسات والشخصيات التي وقفت مع الاتحاد في مسيرته السابقة وقدمت له الدعم والمساندة المادية أو المعنوية منذ إطلاق الأسبوع الوطني الأول للغة العربية عام ٢٠١٣ حتى الأسبوع الحادي عشر الذي نعد له حاليا عام ٢٠٢٣م. فلهم منا جزيل الشكر والتقدير. ونأمل أن تكون هذه فرصة لتجديد العزم وتقوية التلاحم والتعاون في خدمة اللغة العربية وخدمة أمتنا ووطننا عامة.
كما أنتهز هذه الفرصة لأوجه نداء أخويا لجميع إخواني كوادر مثقفي اللغة العربية في هذه البلاد بضرورة الوحدة والتعاون والتنسيق، وأؤكد للجميع أن أبواب الاتحاد مفتوحة لهم، لنتعاون في خدمة اللغة العربية يدا بيد، وإن عضويتكم في الاتحاد لا تعني ذوبان شخصياتكم ولا مؤسساتكم وكياناتكم فالاتحاد مظلة جامعة لمختلف الفئات والمكونات الاجتماعية والثقافية والفكرية، والتنوع الذي يتمتع به الاتحاد يقل نظيره في معظم المؤسسات، ولا أقول: كلها.
وإننا الآن بدأنا التحضير لانعقاد المؤتمر الجامع السادس حول وضع اللغة العربية في تشاد، ضمن فعاليات الأسبوع الوطني للغة العربية، فندعو جميع المخلصين الراغبين في خدمة اللغة العربية، للالتحاق والمشاركة في المؤتمر، وطرح كل ما يريدون تقديمه من رؤى وأفكار ومقترحات. بما في ذلك الترشح لرئاسة الاتحاد وعضوية المجلس الوطني للغة العربية للراغبين في ذلك.
كما أوجه رسالتي لإخواننا الدارسين باللغة الفرنسية لأؤكد لهم بأن دارسي العربية ليسوا أعداء لهم، بل كلنا إخوة في هذا الوطن وأن تراث اللغة العربية الذي خلفه لنا الآباء والأجداد على مدى أكثر من عشرة قرون هو ملك لجميع التشاديين، مهما كانت لغاتهم التي يتخاطبون بها الآن.
فلنتعاون معا من أجل بناء الوطن ووحدته وصيانته وحمايته، خاصة وأننا على أبواب محطة مصيرية من محطات تاريخ بلادنا وهي مرحلة الاستفتاء الدستوري الذي من خلاله تصل بلادنا الى بناء الأجهزة الدائمة المستقرة للدولة التشادية، وهذا لا يتحقق إلا بتعاوننا جميعا في هذا المجال.
وأنتهز هذه الفرصة لأشيد بكل الجهود والمواقف الإيجابية التي وقفها بعض أبناء الوطن الدارسين باللغة الفرنسية والذين كانت لهم بصمات إيجابية ساهمت في الإنجازات التي تحققت للغة العربية والتي نلتقي احتفاء بها اليوم.
وفي هذا الصدد، وعملا بقول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: من لا يشكر الناس لا يشكر الله، فإننا نترحم اليوم على روح فخامة الرئيس الراحل إدريس ديبي إتنو الذي كانت له مواقف إيجابية كبيرة تجاه اللغة العربية عامة، وتجاه الأسبوع الوطني للغة العربية بصفة خاصة، وإن من الوثائق المهمة التي قدمناها في ملف الترشيح للجائزة ذلك الخطاب الذي تلقيناه من نائبة مدير المكتب المدني لرئيس الجمهورية السيدة أميرة إدريس ديبي تفيد فيها بموافقة فخامة السيد رئيس الجمهورية على رعاية الأسبوع في بداياته الأولى.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر فإنني أشير ايضا إلى أننا في الأيام الماضية تلقينا في الاتحاد خطابا من مدير المكتب المدني لرئاسة الجمهورية الوزير إدريس يوسف بوي يخطر فيه الاتحاد بموافقة فخامة السيد رئيس الفترة الانتقالية رئيس الجمهورية الجنرال محمد إدريس ديبي إتنو على رعاية الأسبوع الوطني الحادي عشر للغة العربية وتلبية الدعوة التي وجهها الاتحاد لفخامته لحضور هذه المناسبة.
إذن هذه مواقف إيجابية تستحق الإشادة وتدعونا للتفاؤل بمستقبل مشرق للغة العربية في هذه البلاد، طالما التقت الإرادة السياسية العليا مع المطالب الشعبية، وأن من واجبنا معشر مثقفي اللغة أن نرد على التحية بأحسن منها وأن نؤكد استعدادنا للتعاون مع حكومة بلادنا وقيادتها العليا في كل البرامج والمشاريع الهادفة لتحقيق السلام والأمن والاستقرار لبلادنا والعمل من أجل نهضتها وتقدمها.
كما ننتهز هذه الفرصة لنناشد فخامة السيد رئيس الفترة الانتقالية رئيس الجمهورية باتخاذ قرارات عملية مباشرة في سبيل تطبيق الثنائية اللغوية ومساواة مثقفي العربية مع إخوانهم الدارسين بالفرنسية في إدارة الدولة، وتطبيق الاستراتيجية الوطنية لتعزيز الثنائية اللغوية التي أعدت بجهود جبارة مشتركة بين الجانب الحكومي المتمثل في طاقم الإدارة العامة للثنائية اللغوية بالأمانة العامة للحكومة والجانب الشعبي المتمثل في ممثلي المؤسسات المدنية ونخبة من الخبراء المهتمين باللغة العربية والثنائية اللغوية.
ولا شك أن تطبيق الثنائية اللغوية ومساواة العربية مع الفرنسية سيشكل عامل قوة لبلادنا وتعزيز سياسة حكومتنا بالانفتاح على العالم، نظرا للمكانة المتميزة التي باتت تتمتع بها اللغة العربية على المستوى العالمي.
السادة الحضور
رغم طول هذه الكلمة، إلا أنها تزدان بأن يكون مسك ختامها تقديم جزيل الشكر والتقدير والاحترام إلى المسؤولين في دولة الإمارات العربية المتحدة، قيادة وشعبا، وخاصة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة حاكم دبي الذي لولا جهوده ومبادراته في خدمة اللغة العربية لما وجدنا هذه الفرصة لتحقيق هذا الإنجاز.
والشكر موصول إلى مجمع اللغة العربية في الشارقة بقيادة أمينه العام الأستاذ الدكتور امحمد صافي المستغانمي الذي وجه لي دعوته الكريمة لحضور المؤتمر العلمي الدولي الأول لدراسات اللغة العربية في أوربا، وافتتاح معرض الشارقة الدولي للكتاب برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة.
والشكر مجددا لكل من أسهم في خدمة اللغة العربية وساعد على نشرها في بلادنا بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان من خلال استخدام ما يسمى بعربي بنقور، فإن استخدام اللغة العربية حتى لو كان بشكلها العامي يعتبر إسهاما في نشرها وتعميمها.
والشكر لكم مجددا أيها الإخوة على هذا الاستقبال الرائع ونسأل الله أن يحفظكم ويرعاكم ويسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة تعالى وبركاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *