السادة الحضور
الجمع الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
نلتقي في صبيحة هذا اليوم الأغر لنحتفل سويا باللغة العربية في مناسبة وطنية أفريقية عالمية في الوقت نفسه،
فالاحتفال باللغة العربية حدث وطني، لأنها لغة وطنية، بل هي اللغة الوطنية الوحيدة المكتوبة الحافظة للتراث الفكري والحضاري لهذا الوطن الحبيب، وهي اللغة الرسمية الوحيدة للممالك أو السلطنات التشادية لوحدها طوال قرون من الزمان، ثم أصبحت لغة رسمية مع الفرنسية في النصوص الدستورية المعاصرة لبلادنا الحبيبة.
والاحتفال باللغة العربية شأن إقليمي وقاري، له أهميته في القارة الأفريقية، لأن العربية هي أقدم اللغات الأفريقية المكتوبة المستمرة حتى الآن، وهي اللغة الرسمية لكثير من الممالك الأفريقية، وعن طريقها حظيت عشرات اللغات الأفريقية بالحروف الأبجدية المكتوبة فكان ذلك سببا لتطورها وحمايتها من الانقراض والاندثار.
والاحتفال باللغة العربية حدث عالمي، لأن اللغة العربية لغة عالمية كونية جامعة، لا تتقيد بالحدود الجغرافية ولا بالانتماءات الإثنية أو النزعات العنصرية، بل يحق لكل من نطق بها أن ينتسب إليها دون أن يملك أي إنسان منازعته في ذلك.
وفوق ذلك هي إحدى اللغات الرسمية الست المعتمدة في الأمم المتحدة، بل صنفتها المنظمات العلمية الدولية بأنها من أقدم اللغات الإنسانية الحافظة للتراث الإنساني ككل، ولذلك استحقت أن يحتفل بها في اليوم العالمي للغة العربية الذي يجري احتفاله الرسمي الأول في باريس بمقر منظمة اليونسكو ثم في باقي الدول المنتمية لهذه اللغة أو المهتمة بها، وقد رأى القائمون على شأن الاحتفال في اليونسكو أن يكون محور احتفاليتهم التي تجرى في باريس هذا العام: (مساهمة اللغة العربية في الحضارة والثقافة الإنسانية) .
وهنا أود أن أشير إلى أن من محاسن الصدف أن احتفالنا هذا الذي يتضمن خطوات الإعلان عن ميلاد المجلس الأعلى للغة العربية في أفريقيا الذي جاء تأسيسه نتيجة لمخرجات المؤتمر العلمي الدولي الأول عن: (اللغة العربية في أفريقيا جنوب الصحراء بين متطلبات الانتشار وتحديات الانحسار)، الذي نظمه الاتحاد العام، بالتعاون مع مجموعة من المؤسسات المهتمة بأمر اللغة العربية في افريقيا والعالم العربي، في ديسمبر 2021م، تحت الرعاية السامية لفخامة السيد رئيس الفترة الانتقالية رئيس الجمهورية الفريق محمد إدريس ديبي إتنو،
يأتي هذا متزامنا مع حدث أفريقي آخر له علاقة باللغة العربية، وهو صدور الجيل الجديد من العملة الخاصة بدول وسط أفريقيا والتي تحمل لأول مرة ترجمة لبعض عبارتها باللغة العربية، فهذه الخطوة المهمة رغم أنها تشمل جميع دول المنطقة المعنية بهذه العملة إلا أنها تعني جمهورية تشاد بصفة أساسية، لكونها الدولة الوحيدة التي تعتمد اللغة العربية لغة رسمية لها من بين باقي الدول الأعضاء في هذه المجموعة الاقتصادية، مما يعني أنها خطوة كبيرة في مجال تطبيق رسمية اللغة العربية وتطبيق الثنائية اللغوية على أرض الواقع في بلادنا، ونأمل أن تتلوها خطوات عملية أخرى في هذا الصدد، وبصفة خاصة إلزام المصارف والمؤسسات الوطنية والأجنبية العاملة في البلاد باحترام النصوص والتشريعات السارية في البلاد وفي مقدمتها النصوص المتعلقة بالثنائية اللغوية، فلا يحق لأي مصرف أو مؤسسة أخرى رفض التعامل باللغة العربية لأنها لغة رسمية مع الفرنسية سواء بسواء من الناحية القانونية.
من ناحية أخرى، اسمحوا لي أن أشير إلى أننا في الاتحاد العام لمؤسسات دعم اللغة العربية في تشاد إذ نشيد ونرحب بهذه الخطوة المهمة التي اتخذتها الجهات الرسمية المختصة بشأن هذه العملة النقدية، فإننا كجهة معنية بسلامة اللغة العربية، ننتهز هذه الفرصة لنلفت انتباه الجهات المختصة في دول مجموعة وسط أفريقيا بأن الترجمة العربية التي أدخلت في هذه العملة توجد بها بعض الأخطاء اللغوية التي تؤدي إلى تغيير المعنى بل حتى تغيير قيمة العملة نفسها حسب قواعد اللغة العربية، وذلك نتيجة عدم استشارة المختصين في هذا الجانب اللغوي المهم.
لذا فإننا ندعو الجهات المختصة للاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص في هذا المجال، حتى لا تنعكس الخطوات الإيجابية الجميلة التي يقومون بها إلى سلبيات تشوه عملهم، ولا شك أن تأسيس المجلس الأعلى للغة العربية في أفريقيا كمؤسسة متخصصة بقضايا العربية على مستوى القارة الأفريقية، سيحل جانبا كبيرا من هذه الإشكاليات.
إذ من شأن المجلس أن يقدم الخبرات والاستشارات الفنية المتخصصة للجهات المعنية في كل الدول الأفريقية في الأمور ذات العلاقة بالشأن اللغوي، وغني عن البيان أن القواعد اللغوية لها تأثيرها على جوانب كثيرة من جوانب الحياة العامة على مختلف الأصعدة القانونية والإدارية والثقافية والاجتماعية وغيرها.
هذا وقبل أن أنهي حديثي أوجه النداء إلى إخواني مثقفي العربية بأن أبواب الاتحاد العام مفتوحة للجميع، وأن الأهداف العظيمة التي يتطلعون إليها لا يمكن أن تتحقق إلا بالوحدة والتكاتف ولم الشمل،
كما أناشد إخواني الدارسين بالفرنسية إلى ضرورة الإصغاء إلى صوت العقل والمنطق، في التعامل مع إخوانهم مثقفي العربية، فهما شقان أساسيان لهذا المجتمع، ولا يكتمل بناء الوطن وتطويره إلا بالوحدة والتعاون والاحترام المتبادل بين مثقفي العربية ومثقفي الفرنسية، فإن سياسة الإقصاء والتهميش والحصار الجائر الذي يحاولون فرضه على مثقفي العربية وحاملي لوائها لن يفضي إلى النتيجة التي يتوقعونها، بقدر ما يؤدي إلى شحن القلوب بمشاعر الكراهية والشعور بالظلم ونحو ذلك من الآثار السلبية التي لا يستفيد منها أي طرف، فلنعمل جميعا على تطبيق هذا الشعار الذي جعلناه عنوانا لفعاليات الأسبوع الوطني للغة لعربية في هذا العام وهو: (معا من أجل تعزيز ثقافة الحوار ونبذ خطاب الكراهية).
وختاما أتقدم بجزيل الشكر والتقدير إلى كل من وقف معنا من قريب أو بعيد في سبيل إنجاح هذا الحدث التاريخي المهم، وفي مقدمتهم معالي السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وباقي المسؤولين في الدولة، وإلى الإخوة والأخوات أعضاء اللجان المنظمة لهذه الفعاليات، بدءا من اللجنة التحضيرية العليا للأسبوع ولجانها الفرعية المختصة، أعضاء اللجنة التحضيرية الخاصة بمؤتمر المجلس الأعلى للغة العربية في أفريقيا، وممثلي وسائل الإعلام المختلفة، والمؤسسات الداعمة للغة العربية المشاركة معنا في هذه الفعاليات من داخل البلاد وخارجها، لاسيما الإخوة ممثلي دور النشر المشاركة في معرض انجمينا الدولي للكتاب في دورته الثالثة، والشكر للإخوة المهتمين بشأن اللغة العربية الذين قدموا الدعم المادي والمعنوي في سبيل إنجاح هذا الحدث.
والشكر لكم جميعا أيها الإخوة الحضور محبو اللغة العربية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.