العنصرية وصلت إلى باب التعليم!
كانت العنصرية معضلة تمارس خارج سور المؤسسات التعليمية، عندما وصلت إلى المدارس عبر التلاميذ، بتفويض من أولياء أمورهم استقرت فيما بينهم، عانت الإدارة المدرسية والمعلمين أيما معاناه في محاربتها وكيفية التعامل مع حاملي هذا الداء الفتاك، ولكن سرعان ما انتقل العدوى إلى المعلمين والإدارة، وأصبحوا يناصرون قبيلتهم وتخلوا عن الأبوة الثانية وكفروا بها، وفرقوا بين أبنائهم التلاميذ، حتى وصلت الأمر إلى تكتلات قبلية داخل المؤسسة الواحدة، باسم الدفعة أو القبيلة، ظهرت مجموعات وجمعيات يربطهم التخصص المشترك، الهدف الأساسي منها التنسيق وتبادل الخبرات لتسهيل المهمة، مع إعداد كتاب أو مذكرات وتنظيم المادة بغية تسهيلها للطلبة، ولكن الواقع ينكر ذلك، كل تجمع يرى نفسه أفضل من ذاك، لا تَخْلوا الجلسات والإجتماعات من الغيبة وتقليل من شأن المادة الفلانية ومُدرِّسُها والمدرسة التي ينتمي إليها، وحتى طلابها لم يسلموا منهم، يصفونهم بالبلادة وأشياء أخرى لا يسع المقام لذكرها، هذه أدنى درجات العنصرية التي تمارس باسم التعلم.
وهناك مدارس على هيئة قبيلة، من حيث الإدارة أو نسبة الطلاب والمعلمين، يعرفها القاصي والداني بأنها للفلانين، وإداراتنا التعليميه العليا أيضا تشجع على هذا النهج، بحيث تتلقى كل سنة طلبات لنقل فلان الذي منا إلينا وعلان العكس يجب إبعاده عنا، وهي تستجيب بفعل الهدايا المُغّلفة في الظرف، ظاهره أوراق وملفات، وفي الداخل سحر يجعلك تضحك وإن كنت قد فقدت للتو عزيز لك، هذا السحر طبعا يصيب الذين يفتقدون إلى الوازع الديني والمروءة فالتعميم ظلم في حق البعض.
قبل سنين استشارني أحد المعارف في اختيار مدرسة لأبنائه لكوني معلم، وجهته مستخدماً عدة عوامل، من حيث التكاليف والمسافة، كفاءة المعلمين ونسبتهم، الإدارة الرشيدة إلخ.. ثم ذكرت له ثلاث مدارس كنموذج تعينه على الإختيار، فسمى لي ثلاث قبائل مقابل كل مدرسة ثم اختار الفئة التي ينتمي إليها، اندهشت من تقسيمه إلى القبائل، قلت هذه معلومة تضاف إلى رصيدي المعرفي، كانت غائبة عني، طالما عندك معايير للاختيار أتمنى لك التوفيق، ثم غادرت المجلس، الرجل غير متعلم إلا أنه استطاع أن يعرفني على كثير من الأمور التي تجري في أروقة المدارس.
هناك مدارس فيها المقاعد محدودة أمام الجدد، بعد أسبوع فقد من بدء التسجيل، وإذا كنت تحمل بطاقة عضوية للقبيلة ستُقْبَل حتى لو أتيت قبل نهاية العام الدراسي بأسبوع!
إذا كانت مدارسنا تؤسس لمثل هذه الأفكار وتتعامل على أساس قبلي أو تجاري في وضح النهار، فعلى مستقبلنا السلام.
َوأزيدكم من البيت شعرا، بأن هناك تكتلات تعليمية للمعتقدات والطوائف الدينية، الإنتماء إليها أو التشبه بهم شرط لقبول ابنك وإلا فلا تقربنا؟
هذه نتيجة أعمالنا وكلنا ينتظر جيل يخدم للمصلحة العامة ويؤمن بالوحدة الوطنية ونحن في الأساس علمناهم التفرقة والعنصرية.
لنراجع واقعنا ومواقفنا، وأساليب تفكيرنا ومعاملاتنا، وإلا سنظل سجناء للجهل ونعمل معه جنبا إلى جنب ضد العلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أ/أحمد مدو كيوم